مع أن الله سبحانه
قد ميز الإنسان وكرمه على غيره من المخلوقات، وسخر له من النعم ما ظهر منها وما
بطن، وفطره على فطرة نقية سليمة، إلا أن كثيراً من الناس انحرفوا عن طريق الفطرة،
وأبوا إلا الضلال، واتبعوا الشيطان، العدو القديم، وعبدوا الأصنام بشتى أنواعها،
وجميع أصنافها.
لقد عبدت طوائف من
العرب الأصنام التي انتقلت إليهم من الأمم السابقة مثل : ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق،
ونسر، والتي كانت في قوم نوح، وانتشرت عبادة تلك الأصنام بين القبائل العربية، كما
دل على ذلك حديث
ابن عباس رضي الله عنهما :
( صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ودّ كانت لكلب
بدومة الجندل، وأما سُواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف
عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمْدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكَلاع، أسماء
رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم
التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك
أولئك، وتَنَسَّخَ العلم عُبدَت) رواه
البخاري
.
وكانت العرب تعبد إضافة إلى تلك الأصنام أصنام قريش كاللاَّت،
والعزَّى، ومناة، وهبل:
فصنم مناة - وهو أقدم أصنامهم - كان منصوباً على ساحل
البحر من ناحية المشلل، بقديد بين مكة والمدينة . وكانت العرب تعظمه، ولم يكن أحد
أشد تعظيماً له من الأوس والخزرج، وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
علياً رضي الله عنه فهدمه عام الفتح .
أما صنم اللات
فقد كان في الطائف، وهو عبارة عن صخرة مربعة، وكان سدنتها ثقيف، وكانوا قد بنوا
عليها بيتاً، فكان جميع العرب يعظمونها، ويسمون الأسماء بها، فكانوا يقولون: زيد
اللات، وتيم اللات، وهي في موضع منارة مسجد الطائف . فلما أسلمت ثقيف، بعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم
المغيرة بن شعبة فهدمها، وحرقها
بالنار.
أما صنم العزى فإنه أحدث من اللات، وكان بوادي نخلة ، فوق ذات عرق،
وبنوا عليها بيتاً، وكانوا يسمعون منها الصوت، وكانت قريش تعظمها . فلما فتح رسول
الله صلى الله عليه وسلم مكة ، بعث
خالد بن الوليد
فأتاها فعضدها، وكانت ثلاث سمرات، فلما عضد الثالثة : فإذا هو بحبشية نافشة
شعرها، واضعة يدها على عاتقها، تضرب بأنيابها، وخلفها سادنها، فقال
خالد : يا عز كفرانك لا سبحانك، إني رأيت الله قد أهانك، ثم
ضربها ففلق رأسها، فإذا هي حممة - أي رماد-، ثم قتل السادن.
أما صنم هبل فقد
كان من أعظم أصنام قريش في جوف الكعبة وحولها، وكان من عقيق أحمر على صورة الإنسان،
وكانوا إذا اختصموا، أو أرادوا سفراً : أتوه، فاستقسموا بالقداح عنده . وهو الذي
قال فيه أبو سفيان يوم أحد : اعل هبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا
:
( الله أعلى وأجل ) رواه
البخاري
.
ومن الأصنام التي كانت تُعبد :إساف ونائلة، قيل أصلهما : أن
إسافاً رجل من جرهم، ونائلة امرأة منهم، دخلا البيت، ففجر بها فيه . فمسخهما الله
فيه حجرين، فأخرجوهما فوضعوهما ليتعظ بهما الناس، فلما طال الأمد عبدا من دون
الله.
ومع انتشار عبادة الأصنام بقي أناس حفظهم الله من عبادة غيره سبحانه
استجابة لدعوة
إبراهيم عليه السلام:
{ رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}
(ابراهيم:35)، واستمرت عبادة تلك الأصنام في بلاد العرب حتى ختم الله
رسالاته بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي طهر الله به البلاد، ووجه العباد إلى
المعبود بحق، الذي لا يجوز أن يُعبد أحد غيره، أو يشرك في عبادته أحد،
{ والله متم نوره ولو كره الكافرون } (الصف:
.