مسلم واعتز با مشرف
عدد الرسائل : 42 احترام قوانين المنتدى : الجنسيه : تاريخ التسجيل : 22/11/2008
| موضوع: مستقبل غزه الخميس نوفمبر 27, 2008 10:12 pm | |
|
رغم قيام الجيش الإسرائيلي بسحَـب آلياته من بعض مناطق العمليات في قطاع غزة، بعد أن عاث فيه تدميرا وقتلا، عشية مجيء كونداليزا رايس في زيارة للمنطقة، إلا أنه من السابق لأوانه القول أن حكومة اولمرت قررت إنهاء الهجوم على غزة وعلى حركة حماس وقيادييها أو أنها قرّرت الاكتفاء بالجُـرعة السابقة من العقاب الجماعي للفلسطينيين المقيمين في غزة. كما أنه من المبكّـر القول أن هناك تصورا إسرائيليا بشأن مستقبل القطاع، يقبل بنوع من التعامل مع حركة حماس المُـسيطرة بالفعل عليه، والتي قدّمت بدورها عدّة اقتراحات لإقرار هُـدنة متبادلة، تشمل أمورا عدة.
فالتصورات الإسرائيلية المطروحة رسميا وشبه رسميا، تتعامل مع غزة باعتبارها كيانا مُـعاديا يستحق العقاب الجماعي بكل الطّـرق والحِـيل. وفي البيان الذي أصدره وزير الدفاع الإسرائيلي بشأن سحب الآليات من شمال القطاع، أكّـد بأن نية وزارته تتّـجه إلى إعادة تعديل الوضع الذي يمثله إطلاق الصواريخ الفلسطينية المحلية الصّـنع، رغم عِـلم الجميع بأن هذه الصواريخ لا تمثل تهديدا حقيقيا من أي نوع لإسرائيل، وأن تأثيرها أكبر في الجانب المعنوي منه في الجانب المادي.
لكن الأمر بالنسبة لإسرائيل يتخطّـى ذلك إلى توظيف إطلاق الصورايخ من أجل إعادة هيكلة العلاقة مع القطاع كُـليا، والتخلص من أعبائه الاقتصادية والقانونية والسياسية، بل واستخدام هذا الوضع في إعادة تعريف القضية الفلسطينية على نحو لا يتضمّـن بالضرورة إقامة دولة فلسطينية تجمع بين الضفة الغربية والقطاع، ومن ثمّ إعادة توصيف القضية الفلسطينية باعتبارها تخُـص فلسطينيي الضفة وحدهم والسلطة التي تعيش بينهم في رام الله.
هذه الإعادة في التعريف والتوصيف، يمكن أن تعني إعادة ربط الضفة بالأردن، سواء في صورة حُـكم ذاتي تحت مظلة المملكة الأردنية الهاشمية أو عبر إقامة كِـيان محدود القِـيمة في أجزاء من الضفة، وبحيث يكون ممنوعا أمام عودة اللاجئين من أي جيل كان.
هذا السِـياق العام تحدّث عنه مسؤولون إسرائيليون بصِـيغ مختلفة، ويمكن وضع جمود المباحثات التي سار على دربها كل من محمود عباس وأولمرت منذ اجتماع أنابوليس الشهير في نوفمبر الماضي، وأيضا ما قبل أنابولس في خانة تمهيد الأرضية لنوع جديد من التفكير في شأن الدولة الفلسطينية و"التسوية التاريخية" الممكنة في اللّـحظة الجارية.
وفي السياق ذاته، يمكن وضع العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على شمال القطاع التي بدأت في 27 فبراير لمدة خمسة أيام مُـتتالية، ومن قبل رفض إسرائيل التّـجاوب مع المطلب المصري بزيادة عدد القوات من 750 إلى 1500 جندي لضبط الحدود المشتركة مع غزة، فضلا عن الدعوات التي أطلقها ساسة إسرائيليون كبالونات اختبار في أكتوبر الماضي وأعيد الإشارة إليها في ديسمبر الماضي، باعتبارها خيارا تقبل به مصر، وقِـوامه أن يقوم الناتو في ضوء توجّـهاته الجديدة، بلعب دور أمني على نِـطاق عالمي وإقليمي بنشر قوات في القطاع، لمنع حماس من إطلاق الصواريخ في اتجاه الأراضي الإسرائيلية ولمحاصرة نفوذها بين الفلسطينيين في غزة، والتّـمهيد لاحقا إلى عودة نفوذ السلطة الفلسطينية، إن أمكن ذلك.
خيار غير واقعي
كان من بين ردود الفعل الفلسطينية والمصرية على هكذا دعوات وإشارات، أن تمّ رفضها واعتبارها، خيارا غير واقعي، لأن المسألة من وِجهة النظر المصرية، ليست في نشر قوات دولية أو أجنبية، بل في التعامل مع كيفية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية.
كما أصدرت الفصائل الفلسطينية بيانات أكدت فيها أنها ستُـعامل قوات الناتو أو أية قوات أجنبية باعتبارها قوات احتلال، وستقاومها بكل الطرق، وهكذا بدا أن الخِـيار المطروح ليس نهاية أزمة، بل بداية لأزمة كبيرة ووَرطة أكبر للناتو.
الحق هنا، أن الناتو من جانبه أكد على لسان أمينه العام جاب دي هوب شيفر في العاشر من أكتوبر 2007 أنه "لا يُـوجد بحث رسمي أو غير رسمي في الحلف، للانخراط في غزة"، وليس لديه أي نية لإرسال قواته إلى الشرق الأوسط، كما أنه لم يتلقّ أي طلب لدخول لبنان أو سوريا أو غزة.
واعترف جاب دي هوب شيفر بأن الحلف لم يلعب حتى الآن دوراً في الصراع العربي - الإسرائيلي، وأنه غير ممكن الحدوث "إلا في حال تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة، وذلك من خلال تفويض من مجلس الأمن الدولي واستناداً إلى انخراط الأطراف المعنية بالشرق الأوسط"، وهي شروط يبدو من الصّـعب تحقيقها في المدى المنظور.
افتراض آخر
لكن بالقطع، هناك نظرية أخرى تفترض أن يتدخل الحلف في أي منطقة نِـزاع ملتهبة، طالما أنه يستهدف وضع نهاية لها تراعي الحقوق المختلفة لأطراف النزاع، ولو على الصعيد النظري، ولا بأس أن يُـستخدم شعار حماية الإنسانية وحقوق الإنسان كمظلة تجري من تحتها مياه الناتو في غزة، وهو افتراض يتطلّـب أولا أن يكون هناك وضع مُـلتهب أصلا يُـنذر بحرب أكبر من حدود القطاع أو يثير توتّـرا يتعدّى غزة والضفة وإسرائيل، إلى ما بعد حدود الشرق الأوسط كله.
وهنا، يلفت النظر أن تصريحات اولمرت ووزير دفاعه باراك، قبل وأثناء العدوان على القطاع، كانت تمهِّـد لعملية عسكرية كبيرة لا نهاية زمنية محدّدة لها، وذات أهداف فضفاضة، لا يمكن المحاسبة عليها وقابلة لأن تتدحرج إلى مناطق أخرى.
والمرجّـح هنا، أن الولايات المتحدة حين أعلنت عن إرسال المدمّـرة يو إس إس كول بالقرب من الشواطئ اللبنانية، كتعبير عن القلق من الأوضاع هناك وتعثّـر المبادرة العربية، كانت تستهدِف إرسال رسالة مُـزدوجة، شقّـها الأول، تحجيم رغبة حزب الله اللبناني في الانتقام أو الرد على إسرائيل بعد اغتيال أبرز قادته العسكريين عماد مغنية.
أما الشق الثاني، فهو توفير حماية معنوية وسياسية لحكومة أولمرت، التي قرّرت الاعتداء على القطاع لردْع المُـهاجمين فيه، وبحيث تؤدي هذه الحماية إلى أن تقوم إسرائيل بعمليتها العسكرية في غزة في جو ملائم، لا يشكل عليها أي ضغط.
وكِـلا الشقَّـين، هما نوع من المشاركة في العدوان على غزة ونوع من تشكيل أزمة إنسانية كُـبرى، قد يترتّـب عليها "تحوّل" في المواقف الرّافضة لاستدعاء قوات من تابعة للحلف الأطلسي إلى القطاع.
تناقض في الموقف الأمريكي
ومع ذلك، فإن مثل هذا الموقف يبدُو متناقِـضا مع مطلب البيت الأبيض بالاستمرار في المباحثات بين عباس وأولمرت ومعاكِـسا لأهداف الزيارة الحالية للوزيرة رايس إلى المنطقة لإحياء عملية السلام فيها والتوصّـل إلى شيء ملموس، قبل نهاية ولاية الرئيس بوش، ليُـمكن تسويقه باعتباره انتصارا أمريكيا.
هذا التناقض في السلك الأمريكي، مع غياب التوافق داخل الناتو نفسه على إرسال قوات إلى قطاع غزة وضُـعف السلطة الفلسطينية ورغبة إسرائيل تغيير الواقع بأيديها، حتى لو تطلب الأمر إعادة احتلال القطاع أو أجزاء منه، يجعل خِـيار قدوم قوات أطلسية إلى غزة مُـستبعدا إلى حين، ومن ثم، يرفع لدى إسرائيل من حظوظ الفكرة القائلة بأن يعود القطاع إلى السيادة أو الإشراف المصري، أو بمعنى آخر أن تتحمّـل مصر وزر الانقسام الفلسطيني، وتقوم بما لم تستطع إسرائيل نفسها القيام به فى ردع حماس ونُـظرائها عن مُـهاجمة جارهم فى الشمال، وهو خط أحمر تُـدركه القاهرة جيدا. |
|
| |
|