عدد الرسائل : 116 العمر : 40 العمل/الترفيه : طالب بكلية الشريعه الاسلاميه .جامعة الازهر المزاج : الحمد لله على كل حال المعتقد : مسلم موحد بالله احترام قوانين المنتدى : الجنسيه : تاريخ التسجيل : 06/11/2008
موضوع: إِحْيَاءُ العِلْمِ ( فَوَائِــدٌ في العـِلــم ِ ) الثلاثاء نوفمبر 25, 2008 6:50 am
عبد الرحمن العجيان
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا عقل الأريب الكلام بسمعه وبصره ؛ فهم المعاني بقلبه، وعندها تسقط كُلْفَةُ الفهم والإظهار، وتبقى معاناة الحفظ والاستقرار؛ وذلك لأن المعاني شوارد، والعلوم وحشية؛ بل هي (إبل معقلة إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت) (1)، وقد قيل :’’ من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينس ما علم ، واستفاد ما لم يعلم ‘‘ (2). ذلك -أيها اللبيب- لأن تقليب الفكر وإدامة النظر بالمطالعة والمذاكرة فيه إحياء العلم وإذكاء الفهم ، والسلامة من عوارض النسيان.
فأما إحياء العلم وإذكاء الفهم؛ فإن تكرار النظر في القواعد العلمية يورث ملكة الاستحضار، وهي القدرة على استحضار الشىء وإظهاره، ثم بِتَكَرُّرِ النظر تُوْرَثُ ملكة الاستنباط، وهي القدرة على استنباط أحكام الجزئيات في المسائل الكلية (3)، فإذا أهمل التكرار والمذاكرة أسنت الملكتان، ولذا يقال :’’ لا تعف قلبك من المذاكرة فيعود عقيماً‘‘، وأما آفة النسيان فلا يخفى على الفطن أثر النسيان على العلم والمعرفة.
وإنما تصل- أيها الرائد- إلى نجعتك في بعث العلم وإحياءه بسبيل التكرار المفضي إلى حسن الفهم والسلو عن النسيان، أو باتخاذ الصاحب المذاكر المعين على المطلب. أما سبيل التكرار فقد أجاد فيه السلف الأبرار- مع أنه أشق شيء على النفوس كما يقول ابن الجوزي في: [ صيد خاطره ]. فهذا المحدث الكبير الرحال عباس بن الوليد الفارسي المقتول سنة: ( 218 ) ؛ تلميذ سفيان بن عيينة – يرحمهما الله - وجد في آخر بعض كتبه مسطوراً : ’’درسته ألف مرة‘‘. ومثله ابن التبان الفقيه المتوفي سنة (371) فقد درس المدونه نحو الألف مرة كما في : (شجرة النور الزكية في طبقات المالكية)وفي ترتيب المدارك للقاضي عياض (186:6)، في ترجمة الإمام الفقيه المالكي المحدث أبي بكر الأبهري (محمد بن عبد الله بن صالح ) التميمي البغدادي، المتوفي سنة:(375) - يرحمه الله – قوله:’’قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمس مئة مرة ، والأسديه خمساً وسبعين مرة ، ومختصر البرقي سبعين مرة، والمبسوط ثلاثين مرة‘‘. وهذا إلكيا الهراسي المتوفي (504) - يرحمه الله - كان إذا حفظ الدرس يعيده ويكرره في درجات مدرسته في كل درجة مرة، وكان بها سبعون درجة ، وكان يقول عن نفسه : ’’وكذا كنت أفعل في كل درس حفظته‘‘(4).
وقد أرشد البخاري إلى هذه الطريقة في إحياء العلم بقوله : ’’لا أعلم شيئاً أنفع من نهمة الرجل ومداومة النظر‘‘(5). ويقول الإمام الزرنوجي –مبيناً حالك أيها الراغب مع تكرار المعاني والعلوم-:’’وينبغي لطالب العلم أن يعد ويقدر لنفسه تقديراً في التكرار ؛ فإنه لايستقر قلبه حتى يبلغ ذلك المبلغ، وينبغي لطالب العلم أن يكرر سبق الأمس خمس مرات، وسبق اليوم الذي قبل الأمس أربع مرات، والسبق الذي قبله ثلاث مرات، والذي قبله إثنتين، والذي قبله مره واحده؛ فهذا أدعى إلى الحفظ‘‘(6).أما اتخاذ الصاحب المذاكر المعين على المطلب فقد قيل:’’مطارحة ساعة خير من تكرار شهر‘‘(7). ولذا كان من سيرة النجباء ، وديدن الألباء تسامر بالعلم ، وتنافث بالفكر ؛ في جلسات يعقدونها ، ومدائن علم يشيدونها في ليلهم ونهارهم .وسير جمع من الأئمة كأحمد، ووكيع ، وقتيبه بن سعيد ، وأبو بكر بن شيبة : ملئى بذلك ، فهذا علي بن الحسن بن شقيق يقول : قمت مع ابن المبارك في ليلة باردة ليخرج من المسجد، فذاكرني عند الباب بحديث وذاكرته ، فمازال يذاكرني حتى جاء المؤذن فأذن لصلاة الفجر ، كذلك كان ابن شبرمة والمغيرة بن مقسم والحارث العكلي والقعقاع بن يزيد يسمرون في الفقه فربما لم يقوموا إلى الفجر(.
وفي هذين السبيلين وذينك الطريقتين إحياء للعلم ، وموات للجهل ، وفوات للعوارض والعوائق ، وقد قيل:’’ إحياء العلم مذاكرته‘‘.